التشكيلي بطرس المعري في حوار مع اكتشف سورية

24 شباط 2011

على هامش معرضه دفتر الإقامة في الثقافي الفرنسي بدمشق

يشهد المركز الثقافي الفرنسي معرضاً للتشكيلي بطرس المعري تحت عنوان «دفتر إقامة» والذي افتتح مساء الثلاثاء 15 شباط 2011، هذا المعرض حصيلة تجربةٍ ثقافيةٍ مزدوجة بين فرنسا وسورية.

يجمع عمله بين الرسم التشكيلي والكتابة والرسم والكولاج، ويطمح لأن يكون شاهداً على إقامته في فرنسا وتأمّلاً في الذاكرة مفعماً بالحنين «رسمه الكتابي»، المستلهم من التكعيبية والمتميّز بصرامة التشكيل، ونوعية الرسم وأحادية الألوان المعتدلة، يزيّن مشاهد من شوارع العاصمة الفرنسية وقطار أنفاقها ومقاهيها. كما يقدّم بطرس المعرّي التحيّة للتقليد الشعبي في وسطه الأصلي معبّراً في الآن ذاته، عبر نظرةٍ مليئةٍ بالسخرية والاستهزاء، عن رؤيته للحقائق الحضرية والاجتماعية والثقافية في فرنسا، فيقدّم لنا بذلك عالماً متخيّلاً مليئاً بالرؤى الشرقية. كما أنه يقدّم في المعرض لوحاتٍ متماثلةٍ في حجمها، هي ثمرة مشروعٍ أكبر لكتاب فني سيطبع لاحقاً.


من أجواء التشكيلي
بطرس المعري في الثقافي الفرنسي

استفاد الفنان التشكيلي بطرس المعري من دراسته التشكيلية التي أكملها في باريس وبحثه في مجال فن الكتاب فجاءت أعماله كتصاوير شعبية مشحونة بالكثير من التفاصيل المحملة بذكرياته لمدينة أقل ما يقال عنها «مدينة الفنون العالمية»، كما جاءت أعمال الفنان مُعنونة بكلمات تشرح فكرة العمل الفني، كمنهج متكامل لما يحمله فن الكتاب من شروح كتابية، ومازجاً من خلالها ما بين دراسته الأكاديمية الباريسية ومورثه الثقافي والبصري السوري.
جاءت معظم أعمال الفنان بطرس المعري الـ 37 عملاً بحجوم صغيرة وكأنها صفحات كتاب من كراسه الشخصي محملة بجمل تعني الكثير من الجمال والاختزال لما يريد قوله الفنان المعري، وإن كان من الصعب ذكر معظم ما دونه من كلمات شارحة لأعماله، فقد وقفنا عند جملة تحمل من المعاني الكثير وهي «لكل مقهى باريسي سحره الخاص، غالباً ما يخالط ديكوراته إحساس مرهف حتى في أصغر المقاهي الواقعة في الأحياء الهامشية، فيكفي أن يعلق صاحب المقهى ملصقاً لفنان انطباعي، كي يكون مقهاه قبلة للسياح».

«اكتشف سورية» التقى الفنان التشكيلي بطرس المعري يوم الأحد 20 شباط 2011، فكان هذا اللقاء الخاص.

التشكيلي بطرس المعري

لنتكلم بداية عن دراستك الأكاديمية في باريس
« قبيل افتتاح شعبة فن الكتاب عُينت معيداً في كلية الفنون الجميلةبدمشق، ولكي نؤسس لهذا النوع من الفن التشكيلي بشكل علمي ممنهج، أُوفدت إلى فرنسا للدراسة كما أوفد غيري من المعيدين إلى بلدان أخرى، وهناك بدأت بدراسة فن التصاوير الشعبية في المنطقة العربية وخصوصاً في دمشق، من جهة علاقة هذه الرسوم مع النص الأدبي ولا سيما الشعبي في قصص مثل سيرة عنترة وأبو زيد الهلالي وألف ليلة وليلة. بالإضافة إلى هذه الدراسة الأكاديمية، قمت بابتكار عدة كتب من نسخة وحيدة، كما عملت في مجال كتب الأطفال وذلك كتجربة عملية تدعم دراستي النظرية».

معرض " دفتر إقامة" من المعارض التشكيلية الأولى التي تركز على موضوع التصاوير الشعبية، كيف نفرق بينها وبين تقديم الموروث في العمل التشكيلي؟
«التصاوير الشعبية في حقيقتها لا تقتصر على رسم الطربوش أو الزي الشعبي أو الأبطال الشعبيين، فهي تمتاز أيضاً بعفويتها وبالكتابات الموجودة الداعمة لفكرة الصورة وهنالك أعمال كثيرة توضح هذا الأمر كأعمال أبو صبحي التيناوي عندما قدم أعمال مستقاة من بعض القصص الدينية والتي دَونَّ عليها بعض الكتابات التوضيحية كأن يكتب أمام رسم الخروف "خاروف" ويسمي شخصيات رسومه بأسمائهم فهذا عنترة وهذه عبلة وهذا شيبوب، وقد استفدت من هذه العفوية أو السذاجة الموجودة لديهم في تناولي بعض الأفكار. ولا أدري إن كنا نستطيع حقيقة أن ندعو ما أقدمه هنا تحت اسم فن شعبي».

من الملاحظ أن ما تقدمه في هذا المعرض بعيد عن فن الحفر، الذي تُدرّسه حالياً في كلية الفنون الجميلة؟
«هذا صحيح لقد ابتعدت لفترة طويلة عن ممارسة الحفر لصالح التصوير ورسوم كتب الأطفال. وربما أصبح لدي شيء من التهيب في العودة إليه. هذا خيار بالنسبة لي حالياً. ومن جهة أخرى لماذا الاستغراب طالما أنني رسام كتب أيضاً وهذه الأعمال هي صفحات من كتاب، لكنني طرحتها في هذا الشكل ليستطيع الجمهور مشاهدتها بيسر من دون أن يستهلك صفحات الكراس بتقليبه، وكما قلت سابقاً فهذه الأعمال معدة لتكون مستقبلاً في كتاب خاص مطبوع يكون في متناول المهتمين».

لنتكلم أذن عن فن الكتاب وعن شعبة فن الكتاب التي أُسس لها، إلى أي قسم تتبع هذه الشعبة في كلية الفنون الجميلة؟
«باختصار فن الكتاب المصور هو أحد أنواع الفنون التشكيلية التي ولدت في النصف الثاني من القرن العشرين. وإذ نقول تشكيلية فهذا لأننا نريد الإشارة إلى تدخُّل يد الفنان التشكيلي في عملية الإنتاج. وككل الفنون أخذ هذا الفن تعريفات ومفاهيم عدة نستطيع حصرها في تيارين رئيسيين يشكلان عالم الكتاب الفني أو الكتاب المصوَّر: التيار الأول هو من يتبنى الكتاب المطبوع بنسخ لا نهائية. أما التيار الثاني فهو أقل شمولية من الأول ويدافع عن كتاب ذو نسخ محدودة جداً ينفذها الفنان التشكيلي في محترفه أو في مطبعة صغيرة، تبلغ عدد النسخ أحياناً حد النسخة الواحدة».

من معرض التشكيلي بطرس المعري

أما عن موضوع شعبة الكتاب في كلية الفنون الجميلة فيقول الفنان بطرس المعري:
«لقد افتتحت الشعبة في قسم الحفر والطباعة قبل خمس سنوات وأقفلت مع غيرها من الشعب في بداية هذا العام الدراسي 2010-2011 ولم نرَ سبباً وجيها لإقفالها. في الحقيقة يدرس طلاب قسم الاتصالات البصرية هذا الفن من خلال عدد محدود من المشاريع في السنة لا أكثر ومن وجهة نظر غرافيكية بحتة ولا شك أن هناك نتائج طيبة في مشاريع الطلاب. أما في شعبة فن الكتاب المغلقة حالياً فالأمر كان مختلف من ناحية تكريس سنوات الاختصاص لتعلم تقنيات و آفاق هذا الفن وإقامة علاقة ما بين التشكيل والغرافيك، وهنا يصبح البون شاسعاً ما بين منطق الفن التشكيلي والفن الزخرفي والايضاحي الذي يتبناه قسم الاتصالات البصرية، فأساتذة شعبة الكتاب هم خريجو فن تشكيلي في الأصل اختصوا في فن الكتاب وهذا امتياز يحسب في هذا المجال. وقد سمعت مؤخرا باهتمام الجامعات الخاصة بتدريس فن الكتاب في مناهجهم وإن دل ذلك على شيء فهو دليل على أهمية هذا الفن في وقتنا هذا. ومن المؤسف حقاً أن نحرم طلاب جامعة دمشق من هذا الاختصاص».

جاء اسم المعرض كناية عن الملاحظات التي يدونها المرء في كراسه كخواطر شخصية، كيف استفدت من هذا الأمر تشكيلياً ولماذا اخترت باريس موضوعا لهذه الخواطر؟
«مثل أي إنسان عادي يدون الفنان ملاحظاته من خواطر ومشاهدات حية، ولكن بطريقته الخاصة. فجاءت أعمالي هذه بديلاً عن دفتر المذكرات لقد صممت لوحاتي بقياس واحد مثل صفحات الكتاب ودونت عليها مشاهداتي المستمدة من الذاكرة، فكل صفحة تحمل ذكرى باريسية وما عايشته في تلك المدينة. وهذه التجربة التي أعرضها هنا في الثقافي الفرنسي هي جزء من مجموعة أكبر اشتغلت عليها بنفس المضمون. ومن المؤكد أن العيش في مدينة ما لمدة طويلة تترك أثرا كبيراً على عمل أي فنان، وخاصة عندما تكون هذه المدينة باريس، فهي مدينة استثنائية في كل شيء من ناسها وطرقاتها ومعالمها، لذا أقول أن تجربتي التشكيلية أصبحت أغنى بما رأيته وبما عايشته في تلك المدينة التي تعيش تحت سماءها، كما تمر بها، ثقافات وفنون مختلفة، تغذي الفكر والعين والروح».

يوسف عبدلكي من معرض دفتر إقامة
للتشكيلي بطرس المعري

توجد لوحة تجمعك مع الفنان يوسف عبدلكي في محاورة تشكيلية جميلة التكوين
«تعرفت على الفنان يوسف عبدلكي في فرنسا عن طريق أحد المعارف، وتكررت لقاءاتي معه في مرسمه الخاص أو في مقهى قريب من بيته، فكانت تدور بيننا حوارات طويلة عن شؤون الفن في سورية، وما تخلل هذه اللقاءات من تبادل لوجهات النظر حول بعض الأمور التشكيلية الخاصة بدراستي، لذا كانت هذه اللوحة ككلمة شكر مني لهذا الفنان الكبير الذي ساعدني في أمور عدة برحابة صدر».

هنالك لوحة من ضمن المعرض تأخذنا مباشرة لتكنيك الفنان السوري سبهان آدم، وهي تتقاطع مع لوحاته بشكل مباشر.
«أثناء عملي على توضيب مرسم الطباعة الخشبية الذي أُدرّس فيه في كلية الفنون الجميلة، شاهدت طبعتين على الورق مهملتين لطالبين من قسم الحفر، هما للطالب علاء يازجي و علاء شرابي، أما بخصوص لوحة الطالب علاء يازجي فكانت في الأصل لوحة عن حارة دمشقية قديمة قمت بلصقها على القماش ثم عملت على إعادة تشكيل سطحها بألوان الأكريليك، وبجزء صغير منها تقاطعت مع عوالم سبهان آدم، فعملت على تأكيد هذا الجزء، فكانت هذه اللوحة التي دونت ملاحظة في أسفلها، مشيراً أن هذا العمل مستمد من عوالم سبهان آدم».

هنا أذهب لرأيك بعمل التشكيلي سبهان آدم
«أحب لوحة سبهان آدم، فهو يتمتع بامتلاكه هامش كبير من الحرية والصدق في تعاطيه مع عمله الفني، الأمر الذي لا نجده عند كثير من المصورين».

وكيف تجد بعد غياب، المشهد التشكيلي حالياً في سورية؟
«كثر فيه المال وقلّ الفن».

يذكر أن معرض «دفتر إقامة» للتشكيلي بطرس المعري مستمر لغاية 6 آذار 2011، في المركز الثقافي الفرنسي بدمشق.


مازن عباس - دمشق

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

من معرض التشكيلي بطرس المعري

من معرض التشكيلي بطرس المعري

من معرض التشكيلي بطرس المعري

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق