في المنتدى الثقافي الشهري الثاني في حلب
22 كانون الثاني 2011
حريق الفصول بين التأمل والكشف
افتتحت مديرية الثقافة بحلب مساء الأحد 16 كانون الثاني 2011 المنتدى الثقافي الشهري الثاني بمشاركة عدد من الأدباء والمثقفين. وقد خُصّصت الجلسة لدراسة نقدية لمجموعة «حريق الفصول» الشعرية للشاعر محمد كمال قدمتها الأديبة بهيجة مصري إدلبي وأدار الجلسة د. محمد حسن عبد المحسن.
في الدراسة أشارت الناقدة بهيجة مصري إدلبي إلى أن للشاعر غيبه لا يطلع عليه سواه، إلا بما تتيحه مفاتح ذلك الغيب، فبقدر اقترابنا من أسرار تلك المفاتيح بقدر ما نقترب من غيب الشاعر، وكما أن الشاعر يختبر طاقة الخلق فيه كذلك المتلقي يختبر طاقة الكشف لديه. ورأت أن مجموعة «حريق الفصول» للشاعر كمال مشحونة بالذات حد الغنائية لأن الغنائية كنه الشعر، ومشحونة بالسؤال حد الفلسفة، لأن الفلسفة سؤال الشعر، ومشحونة بالرؤيا حد الكشف، والكشف مقام الشعر، وبالكشف حد الغموض لأن الغموض روح الشعر، سواء كانت مشغولة بأسئلتها الغامضة الناهضة من تأملات في الذات والوجود أو كانت مشغولة بالمرأة الحلم في مقام الاحتراق الذاتي أو محفوفة بدفء المكان أو في مقام المرآة عندما تنهض من مرايا الأصدقاء فتثير في الذات حيرتها وحزنها وتجلياتها. وبعد تفكيك العنوان والإشارة إلى دلالاته رأت أن الشاعر محمد كمال يصدر عن رؤيا تأملية تستقرئ الزمن وتستقرئ الوجود وتحتفي بالأسئلة التي أيقظتها الفلسفة في صمت الكائن، حيث القصائد على تنوعها وتنوع مناسباتها وأساليبها وتواريخها لا تخرج عن هذا الإطار التأملي، وكأنها معجونة بطينة التأمل التي تحيل إلى قلق الحياة.
واستعانت الناقدة بتواريخ كتابة القصائد كمناصات إشارية كشفت من خلالها عن أكثر من جانب أراد الشاعر أن يضيئه بهذه التواريخ أو الكلمات التي كان يصدر بها بعض القصائد، ومن هذه الجوانب أن بعض القصائد كانت تحتمي بتاريخ كتابتها، أو بموضوعها أو مناسبتها، سواء على مستوى الموضوع أو على مستوى البناء الفني، وقد ظهر ذلك في القصائد المطولة نسبياً التي كانت تحتفي بالمكان كمدينة حلب، حيث لم يستطع الشاعر أن يتخلص من ضغط الحضور التاريخي لهذا المكان فسلم قسطاً كبيراً من تلك القصائد للتغني بالماضي والحاضر كحالة من التوصيف الذي يغوي الشاعر أحيانا بالإطالة، وكذلك الأمر ينسحب على القصائد التي قيلت بالأصدقاء تكريماً أو رثاء، حيث يستغرق الحديث مناقب الراحلين وحضورهم الإنساني والإبداعي، والجانب الآخر الذي تضيئه المناصات التاريخية التي تذيل بها القصائد هو جانب الاحتفاء بالذات كحالة منسجمة في تجربة الشاعر عبر فصولها المختلفة، وهذا الاحتفاء هو الذي أنقذ القصائد المطولة التي أشرنا إليها حيث كانت الذات تظهر في بعض الأبيات كحالة من حالات الكشف عن أحزانها أو تأملاتها، ما خفف من وطأة الإطالة ومنح القصائد نكهة تنسجم مع القصائد الأخرى في المجموعة وهي القصائد التي كانت تميل إلى التكثيف وخلق الفجوات النفسية العميقة التي تعلق القصيدة بين الذات والعالم للكشف عن بواطن تلك الذات وهي تتأمل أسرارها وأحلامها وأحزانها. وبالربط بين أول قصيدة في الديوان بأقدم تاريخ عام 1962، وهي قصيدة «أين» وبين قصيدة «دخان» التي تحمل أحدث تاريخ في المجموعة، والتي كتبت عام 1998، نكتشف تلك المساحة الفاصلة بين البحث عن أين الشاعر ووجوده وغموض أسئلته وبين الدخان الذي ينهض إثر الاحتراق المضمر في أحلام الشاعر التي ما زالت كامنة في سره وكأنها إشارات لانبعاث جديد. وفي النهاية ختمت الناقدة حديثها بالقول: «إن تجربة الشاعر محمد كمال تجربة يغريها التكثيف فتنجلي فصولاً من الزمن تاركاً فجوات عميقة من الصمت في تجربته لأنه شاعر مقل وزاهد في النشر لكنه يتنفس الشعر كما يتنفس الهواء، يحتفي باللغة واللفظة كما يحتفي بالإيقاع الداخلي والخارجي، فتنساب القصيدة كسحابة في فضاء الروح، ومن جمالية هذه التجربة أنها منسجمة مع شاعرها.
بعد النقد قدّم الشاعر باقة من أشعاره بإلقائه المتميّز ومما قاله في قصيدة «أين؟» من مجموعته الشعرية «حريق الفصول»:
لا تسألوا الشاعر عن ســرّه ../.. فقد طـواه الصمت في غمـرهِ
مؤرق الجفنـين،لا ينثنـي ../.. ينتـظر الإفـلات من أسره
مسكنه بين ضلـوع الـدجـى ../.. وتنـقـل الأشـباح من شعره
أين الربـيع الغضّ ، أين السنا ../.. ورفّة العطـر علـى فـجره؟
وكيف مر العمر... والمشتهى ../.. من بوحه مازال في صدره
نذكر أن الشاعر محمد كمال من مواليد حلب عام 1938 حاصل على إجازة في الأدب العربي من جامعة دمشق ودبلوم تربية، وله العديد من الإصدارات مثل «موسوعة حلب المقارنة» و«أعلام النبلاء» و«سانحة أدب لساحة حلب» ومجموعة «حريق الفصول» إضافة إلى مشاركته في موسوعات مختلفة داخل سورية وخارجها.
جدير بالذكر أن الملتقى الأول في الشهر الماضي تم بحضور محافظ حلب الذي أشار إلى أهمية المنتدى الذي يعقد لأول مرة في المحافظة في ترسيخ البعد الثقافي للمجتمع والمساهمة في تنشيط الحركة الأدبية والحفاظ على اللغة العربية التي تشكل الحاضن الرئيسي للهوية العربية، داعياً إلى إقامة المنتديات الأدبية والمعارض الفنية التي من شأنها إغناء الحالة الثقافية في المحافظة ورفدها بأحدث إنتاجات الأدباء والمبدعين. وكان اللقاء الأول مع الأديب فاضل السباعي الذي قرأ إحدى قصصه وتحدّث عن تجربته الأدبية، وبيّن أهمية المنتدى الذي يشكل فرصة مهمة لالتقاء الأدباء وتبادل الخبرات فيما بينهم إضافة إلى تكريمهم للجهود التي بذلوها في سبيل تطوير الواقع الثقافي في المجتمع. من جانبه وضح الأستاذ غالب البرهودي مدير ثقافة حلب أن المنتدى يعمل على رفد المشهد الثقافي والأدبي وتعزيز الإرث الحضاري والفكري في المحافظة، مبيناً أن المنتدى نتاج آراء العديد من الأدباء الذين شجعوا الفكرة وأن المديرية ستعمل على إقامة هذا المنتدى شهرياً حيث تتم استضافة أديب سوري وتسليط الضوء على أعماله وتكريمه. أما الدكتورة الروائية شهلا العجيلى فرأت أن فكرة إقامة منتدى نخبوي في مدينة حلب فكرة مهمة، لاسيما أنه قدّم في البداية شخصية معروفة على الساحة الأدبية العربية مثل الأديب فاضل السباعي الذي يعتبر مؤسساً للرواية التي انطلقت إلى الواقعية في خمسينات القرن العشرين، وقامت د. شهلا العجيلي بمناقشة الأعمال التي أنجزها فاضل السباعي وسلطت الضوء على روايته «الظمأ والينبوع». وأكد مدير الجلسة الدكتور محمد حسن عبد المحسن رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب فى حلب أن المنتدى يأتي استجابة للحالة الثقافية في مدينة حلب التي أنجبت الكثير من الأدباء حيث يوفر الملتقى مكاناً هاماً للقاء الأدباء وتبادل الحوار والنقد البناء.
مما لا شك فيه أن مثل هذه اللقاءات مهمة غير أنه ينبغي الإشارة في بطاقة الدعوة إلى العمل الذي ستتم قراءته ومناقشته، كي يكون اللقاء أكثر غنى وبخاصّة أن المدعوين هم من أدباء مدينة حلب، وكلّ منهم على اطلاع بأعمال أقرانهم. كما يغني تلك اللقاءات أن يكون لها برنامج سنوي يتضمّن الأدباء الذين ستتم استضافتهم كي تكون مشاركات الأدباء الحاضرين أكثر غنى، وبخاصة أن الدعوات إلى المنتدى تتم بشكل شخصي ولفئة مختارة من أدباء المدينة.
وقد اقترح الأديب محمد أبو معتوق أن يجري اللقاء الشهري في قاعة العرش بقلعة حلب إحياءً لبلاط سيف الدولة الحمداني وأن تكون هناك جائزة قيّمة تقدّم كلّ عام لأحد المبدعين .
كما اقترح الشاعر محمود أسد إلى ضرورة توثيق الملتقى في كتاب سنوي يضم ما جرى في منتديات العام ليكون مرجعاً للأجيال القادمة.
محمد جمال طحان - حلب
اكتشف سورية