الأروقة في معبد عين دارا


من بقايا أروقة المعبد

في وقت ما، وبعد بناء المعبد، أقيم رواق طواف على جانبي المعبد وخلفه، وهو الآن متهدم. وخاصة جناحه الشرقي، الذي لم يبق منه سوى أساساته. إن ما تبقى من الرواق يدل عليه، وعلى أهميته، ووظيفته المعمارية، وحتى يكون الرواق على سوية المعبد، جعلت أرضيته بسوية أرضية المصلى، وليست على سوية أرضية القاعة الأمامية، التي هي أخفض من أرضية المصلى، بينما كان عرضه على الطرف الشمالي (4.70م) أقل من عرضه على الجانبين (5.40م)، ونتج عن ذلك أن أصبح عرضه في الخلف (1.50م) ضوء وعلى الجانبين (2.23م) ضوء.

ويتضح من هذا كله، أن الرواق قد أضيف إلى المعبد بعد تشييده على الطرف الشمالي للمدينة الفوقانية، مما لم يعد يسمح بأن يكون عرض الرواق في الخلف مساو لعرضه على الجانبين. فالمكان ضيق، والمسافة بين المعبد وطرف التل لم تكن كافية لجعل عرض الرواق واحداً في جميع جهته. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن مدخلي الرواق في الواجهة الرئيسة، على طرفي المدخل، قد برزا بضع سنتمترات أمام الواجهة، ومرد ذلك، إلى أن الرواق لم يكن موجوداً في مخطط المعبد كما أسلفنا. ومع ذلك، يبدو الرواق للزائر وكأنه جزء من البناء، لم يلحق به. وإن دل هذا على شيء، فإنه يدل على مهارة البنائين، الذين شيدوه بدقة وإتقان متميزين، وجعلوه منسجماً معمارياً وزخرفياً مع المعبد.

كسيت واجهاته الخارجية بنعلة بازلتية ارتفاعها 40سم، وتتألف من كتل صغيرة مكعبية الشكل تقريباً منحوتة ومصقولة، تراصت بجانب بعضها على نحو يثير الدهشة والإعجاب.

نصبت فوق هذه النعلة، وعلى الواجهات الثلاث الخارجية للمصطبة، التي امتد فوقها الرواق، لوحات بازلتية بارتفاع (1.30م)، نقشت فيها أشكال سباع وأبي الهول. وقد صنعت اللوحات بحيث يتقابل كل شكلين من الأشكال المرسومة فيها، ويلتفتان نحو اليمين واليسار، فتبرر الرؤوس، وتشكل سلسلة زخرفية بديعة متنوعة، تضفي على الواجهة مسحة جمالية قوية تلفت الأنظار، وتجعل الزائر يتأملها بدقة وإمعان، قبل الدخول إلى المعبد.

يُتقد أنه كان للرواق مدخلان: واحد في أقصى اليمين قرب الزاوية الشرقية، وآخر في أقصى اليسار، قرب الزاوية الجنوبية للمعبد، لم يبق منهما إلا المدخل الأيسر، الذي كان الناس يصعدون إليه بوساطة درج سد فيما بعد لسبب نجهله، وقد يكون له علاقة بمجريات الطقوس الدينية.

كان بجانب الدرج لوحتان نقش فيهما شكل أبي الهول على غرار ما هو قائم على جانبي المدخل الرئيس. وحينما سد الدرج، وضعت لوحة سبع بينهما، تتميز عن جميع اللوحات بصغر حجمها، أما السبع المنقوش فيها، فهو مماثل للسباع المنقوشة في اللوحات الأخرى، وإن كان يختلف عنها بالمقاييس.

تتألف عتبة المدخل من عدة بلاطات صنعت ونحتت من الحجر الكلسي. تنتصب ثلاثة سباع ضخمة إلى يسارها، وواحد إلى يمينها، وهي الآن مشونة، ورؤوسها مفقودة. وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الرؤوس التي عثرنا عليها في الردميات أمامها، كانت رؤوس سباع، ورؤوس بشرية، لافترضنا أن بعض السباع كانت لها رؤوس بشرية، وهذا يتلاءم مع الأشكال المنقوشة في اللوحات تحتها، التي كانت رؤوسها بشرية، أو رؤوس سباع.

إن وجود زعرورين خلف السباع، إلى يمين ويسار العتبة، لهو دليل على أن هذا المدخل، الذي يبلغ عرضه 1.64م، وعمقه 1.34م، كان يغلق ويفتح بباب ذي مصراعين. وبعد أن نعبره نسير في الجناح الأيسر للرواق، الذي اصطفت على جانبيه قواعد التماثيل المتناظرة، والبارزة إلى الأمام، حوالي متراً واحداً وهي خمس قواعد على كل طرف، تبتعد الواحدة عن الأخرى مقدار 3.70م، وهي مبنية بحجارة كلسية قاسية، نحتت نحتاً جيداً، حتى تلتصق ببعضها، وتحمل الأنصاب التي لم يبق منها سوى كسر، اثنتان منها على اليمين، الأولى عليها ساقا رجل وقوائم ثور، والثانية عليها أقدام إنسان. وهي بلا شك بقايا صور لمقدمي الضحايا.

كانت الأنصاب على الطرف الأيمن داخلة جزئياً في جدار المعبد، وهي أقل ارتفاعاً منه، وتحمل هي وأنصاب الطرف الأيسر، سقف الرواق الذي كان بلا شك منخفضاً عن سقف المعبد. كانت بلاطات جيرية مرققة ومصقولة، منتصبة بين أنصاب الطرف الأيمن، أما بين أنصاب الطرف الأيسر، فقد امتدت على ما يبدو لوحات بازلتية على وجهها الداخلي أشكال منقوشة كالثور مثلاً، وعلى وجهها الخارجي نقشت أشكال النافذة الوهمية، كما في داخل المعبد. ونشاهد بقايا هذه الأشياء متوضعة على الطرف الخارجي للرواق.

وإذا انتقلنا إلى الرواق الصدراني، الذي يلاصق واجهة المعبد الخلفية، نرى الشيء عينه. خمسة أنصاب إلى اليمين، ومثلها إلى اليسار، لم يبق منها سوى نصبين إلى اليمين، تربط بينهما بلاطات جيرية مرققة ومنحوتة، وقد نقش في النصب الأول صورة ملك جالس بقيت منه الأطراف السفلية. وهو يجلس على كرسي، قوائمه على شكل قوائم سبع. أما في الثاني، فقد نقشت صورة شجرة نخيل، وهي وإن كانت مشوهة، مثل صورة الملك، فإنهما يدلان على ذوق فني رفيع. لقد تهدمت الزاويتان الغربية والشمالية من هذا الرواق، وتهدم الجناح الأيمن، الذي يلاصق الواجهة الشمالية الشرقية للمعبد، ومع ذلك، فمن الوارد أن هذا الجناح كان مشكلاً للجناحين السابقين، وقد بقي من أنصابه نصب مقلوب ومشوه وعليه شجرة نخيل، وثان مقلوب هو الآخر ومهشم، وعليه بقايا جزء من نبات. أما النصب الثالث، فلايزال في موقعه، وقد أصابه التشويه ونقشت فيه صورة إنسان كبير يرتدي ملابس حسنة.

مواضيع ذات صلة: