أبو العلاء المعري
ولد أبو العلاء المعري قبل أن تنشب الحروب الصليبية بقرن وربع قرن، ثمّ ودّعَ الدنيا وقد بقي من السلم الذي سبق تلك الحروب المشؤومة أربعون عاماً. تلك الحقبة كانت ميدان اضطراب سياسي واجتماعي في الشرق والغرب، وكانت عهد انتكاس ديني وخُلقي، وقد ظهر كل ذالك في شعر المعري.
هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان ابن محمد المولود سنة 363هـ/973م ولما بلغ الثلاث سنوات والنصف أصيب بالجدري فذهبت عينه اليسرى، وغشي اليمنى بياض، وقبل أن يتم السادسة فقد بصره جملة واجدة.
دخل أبو العلاء وهو لا يزال حدثاً إلى حلب فقرأ الأدب والنحو على عدد من أهل العلم فيها ورجع من حلب إلى المعرة سنة 384هـ/994م وقد بلغ العشرين من عمره فانصرف إلى المطالعة بنفسه.
ورحل إلى بغداد سنة 398هـ فأقام بها سنة وسبعة أشهر، إلا أن أبو العلاء عانى من شظف العيش وشح المال، ومن ثم زهد عن أكل اللحوم واقتصر طعامه على النباتات. وعانى أبو العلاء في بغداد من الحسد بسبب علمه وفضله، مما أثر في نفسه كثيراً، وقد عاد مرة أخرى إلى المعرة سنة 400 هـ وانقطع إلى الدرس والتدريس وسمى نفسه رهين المحبسين (البيت والعمى).
ولما مات وقف على قبره 84 شاعراً يرثونه، وكان يلعب بالشطرنج والنرد، وإذا أراد التأليف أملى على كاتبه علي بن عبد الله بن أبي هاشم، وكان يحرم إيلام الحيوان، ولم يأكل اللحم خمساً وأربعين سنة، وكان يلبس خشن الثياب، أما شعره - وهو ديوان حكمته وفلسفته - فثلاثة أقسام: «لزوم ما لا يلزم»، ويعرف باللزوميات، و«سقط الزند»، و«ضوء السقط»، وقد ترجم كثير من شعره إلى غير العربية، وأما كتبه فكثيرة وفهرسها في معجم الأدباء. وقال ابن خلكان: «ولكثير من الباحثين تصانيف في آراء المعري وفلسفته».
ويعد المعري شاعراً فيلسوفاً حكيماً من ألمع الشعراء الفلاسفة الذين ساقوا فلسفتهم شعرياً.
من تصانيفه كتاب «الأيك والغصون» في الأدب، يربو على مئة جزء، «تاج الحرة» في النساء وأخلاقهن وعظاتهن، أربع مئة كراس، و«عبث الوليد» (مطبوع) شرح به ونقد ديوان البحتري، و«رسالة الملائكة» (مطبوع)، وهي رسالة صغيرة، و«رسالة الغفران» (مطبوع) وهي من أهم ما كتب، و«الفصول والغايات»، و«رسالة الصاهل والشاحج».
مختارات من أدبه:
يذكر المعري في مقدمة لزومياته: «كان من سوالف الأقضية أني أنشأت أبنية أوراق توخيت فيها صدق الكلمة ونزهتها عن الكذب، فمنها ما هو تمجيد لله الذي شرف عن التمجيد ووضع المنن في كل جيد، وبعضها تذكرة للناسين، وتنبيه للرقدة الغافلين، وتحذير من الدنيا».
ويختم بقوله: «وهذا حين أبدأ بترتيب هذا النظم، وهو مائة وثلاثة عشر فصلاً، لكل حرف أربعة فصول، وهي حسب حالات الروي، من ضم وفتح وكسر وسكون، وأما الألف واحدها فلا تكون إلا ساكنة، وربما جئت في الفصل بالقطعة أو القطعتين ليكون قضاء حق للتأليف».
وهذه اللزومية هي أول اللزوميات في حرف الهمزة:
أُلو الفَضلِ في أَوطانِهِم غُرَباءُ فَما سَبَأوا الراحَ الكُمَيتَ لِلَذَّة وَحَسبُ الفَتى مِن ذِلَّةِ العَيشِ أَنَّهُ إِذا ما خَبَت نارُ الشَبيبَةِ ساءَني أُرابيكَ في الوِدِّ الَّذي قَد بَذَلتَهُ وَما بَعدَ مَر الخَمسَ عَشرَةَ مِن صِباً أَجِدَّكَ لا تَرضى العَباءَةَ مَلبَساً تَواصَلَ حَبلُ النَسلِ ما بَينَ آدَمٍ تَثاءَبَ عَمروٌ إِذ تَثاءَبَ خالِدٌ وَزَهَّدَني في الخَلقِ مَعرِفَتي بِهِم وَكَيفَ تَلافِيَّ الَّذي فاتَ بَعدَما إِذا نَزَلَ المِقدارُ لَم يَكُ لِلقَطا وَقَد نُطِحَت بِالجَيشِ رَضوى فَلَم تُبَل عَلى الوُلدِ يَجني والِدٌ وَلَو أَنَّهُم وَزادَكَ بُعداً مِن بَنيكَ وَزادَهُ وَما أَدَبَ الأَقوامِ في كُلِّ بَلدَةٍ تَتَبُّعُنا في كُلِّ نَقبٍ وَمَخرَمٍ إِذا خافَت الأُسدُ الخِماصُ مِنَ الظُبى | تَشِذُّ وَتَنأى عَنهُمُ القُرَباءُ وَلا كانَ مِنهُم لِلخِرادِ سِباءُ يَروحُ بِأَدنى القَوتِ وَهوَ حِباءُ وَلَو نُصَّ لي بَينَ النُجومِ خِباءُ فَأُضعِفُ إِن أَجدى إِلَيكَ رِباءُ وَلا بَعدَ مَرِّ الأَربَعينَ صَباءُ وَلَو بانَ ما تُسديهِ قيلَ عَباءُ وَبَيني وَلَم يوصِلَ بِلامِيَ باءُ بِعَدوى فَما أَعَدَتنِيَ الثُؤباءُ وَعِلمي بِأَنَّ العالَمينَ هَباءُ تَلَفَّعَ نيرانَ الحَريقِ أَباءُ نُهوضٌ وَلا لِلمُخَدِراتِ إِباءُ وَلُزَّ بِراياتِ الخَميسِ قُباءُ وُلاةٌ عَلى أَمصارِهِم خُطَباءُ عَلَيكَ حُقوداً أَنَّهُم نُجَباءُ إِلى المَينِ إِلّا مَعشَرٌ أُدَباءُ مَنايا لَها مِن جِنسِها نُقَباءُ فَكَيفَ تَعَدّى حُكمَهُنَّ ظِباءُ |
شرح المفردات:
الراح والكميت: الخمر
الخرداء: المرأة الحسناء الحيّية
حباء: بلا جهد
خباء: خيمة أو بيت
المراجع:
1) أبو العلاء المعري الشاعر الحكيم، للأديب عمر فروخ.
2) ابن العديم، الجزء الرابع، ص 104-105.
مواضيع ذات صلة: