إزرع

تقع مدينة إزرع في حوران، في الجزء الجنوبي من الجمهورية العربية السورية. وهي اليوم مركز إداري لمنطقة إزرع التابعة لمحافظة درعا.

تعد إزرع من المدن الكنعانية التي أقيمت فوق أنقاض موقع يعود إلى نهاية العصر الحجري الحديث أو بداية عصر المعدن على ارتفاع يقارب 594م عن مستوى سطح البحر.

وتتكون مدينة إزرع اليوم من إزرع القديمة، وإزرع الجديدة (المحطة)، ومن قرية ذئبية التي كانت قبل عام 1978م منفصلة عن المدينة، ومن حي سكني جديد يدعى الغسانية. ويعد وعرُ المنطقة الجنوبية الغربية من اللجاة الظهير الجغرافي لمدينة إزرع التي تجري فيها عملية التبادل الإنتاجي لكل من النمط الرعوي القائم في منطقة اللجاة، والنمط الزراعي المتمثل بكل من مدينة إزرع نفسها والريف التابع لها الواقع إلى الغرب منها، حيث تتصل بها الأرض السهلية الخصبة. ومعدلات التهطال تزيد على 300مم سنوياً وهذا يجعل من منطقة إزرع بقعة صالحة لزراعة الحبوب الشتوية والنباتات الصيفية اعتماداً على ما تجود به السماء كل عام.

وكانت مدينة إزرع القديمة ترتبط بـبصرى الشام بطريق رومانية مرصوفة بالحجارة البازلتية، مارة شماليها متجهة نحة الغرب، حيث تتفرع هناك إلى فرعين يصلان إزرع ببلدات حوران الغربية ولاسيما ببلدتي إنخل والحارة الحالية.

تعاقبت على مدينة إزرع حضارات مختلفة، شأنها في ذلك شأن بقية مدن الجزء الجنوبي من بلاد الشام لموقعها الجغرافي، فهي صلة وصل بين مصر القديمة وحضارات بلاد الرافدين وشمالي سورية، ولقد تركت كل حضارة بصماتها الواضحة في المدينة المذكورة وفي الخرب المدفونة تحت الأنقاض حولها. وقد عاصرت إزرع الحضارات الكنعانية، والآرامية، والبيزنطية، والعربية الإسلامية وتأثرت بها. فإزرع القديمة تؤلف تلة من الأنقاض تقوم عليها اليوم المباني السكنية، إلى جانب ما تبقى من أبنية قديمة على امتداد كيلومترين من الغرب إلى الشرق و1.5كم من الشمال إلى الجنوب.

وتعدّ كنيسة القديس جرجيوس من أهم المعالم التاريخية الأثرية التي ما زالت قائمة في مدينة إزرع. وقد كانت في الأساس معبداً وثنياً لعبادة الأصنام ثم حوِّل إلى كنيسة مسيحية في عهد البيزنطيين، وتنفرد هذه الكنيسة عن غيرها من الكنائس بشكلها المثمن مما يؤكد أنها بناء معبد قديم أصلاً ولعله يعود إلى الحضارة العربية النبطية. وفوق باب الكنيسة الشمالي حجر منقوش كتب عليه بـاللاتينية ما معناه: «صار بيتاً لله المكان الذي كان كهفاً للشياطين، وحيث كانت تستقر الظلمة أشرق نور الخلاص، وحيث كانت تقدم الذبائح للأصنام صارت تقدمها صفوف من الملائكة، وحيث كان يستنزل غضب الله صار يستنزل رضاه، رجل مهم يحب السيد المسيح وجيه في قومه اسمه يوحنا بن ذيو موسى قدّم للإزرعيين من ملكيته الخاصة هذا البناء العجيب على اسم القديس الشهيد جرجيوس اللابس الظفر، الذي ظهر علانية لا في الرؤيا بل عياناً في وضح النهار سنة 410م».

وفي إزرع بقايا جامع قديم يدعى «الجامع العمري»، كان كنيسة حولت إلى جامع بعد أن دانت المنطقة بالإسلام. ويؤكد هذا القول كتابات باللاتينية على ساكف بابها الشمالي، وحجر «حنت» في الجزء الباقي من الجدار الغربي الجنوبي، نقشت عليه كتابات بالحرف العربي غير المنقط تبدأ بالبسملة، وكان ذلك الجامع يتكون من 54 قنطرة كما يروي أهل إزرع، ولم يبق قائماً منها سوى صفين من القناطر يتكون كل منهما من ست قناطر، وكان في الزاوية الشمالية الغربية للجامع مئذنة مقطعها مربع الشكل ولها ثماني نوافذ، وتقوم على أربع قناطر، وكانت تبرز للقوافل التجارية من مسافة بعيدة. وقد هدمت مئذنة ذلك الجامع في زمن الانتداب الفرنسي، ونقلت حجارتها لبناء منزل في إزرع الجديدة التي تعرف بالمحطة. وهناك كنائس يزيد عددها على العشر تهدمت في معظمها. وتؤكد هذه الكنائس الأهمية الدينية التي كانت تتمتع بها أسقفية إزرع البيزنطية.

كان أهالي مدينة إزرع القديمة يحصلون على ماء الشرب من ثلاث آبار قديمة أولها بئر النعيرة: وتقع إلى الشمال الشرقي من مدينة إزرع القديمة، وجوانبها مكسوة بالحجارة البازلتية المنحوتة، ويتم النزول إليها بدرج من الحجارة. ويقال إن ماء تلك البئر مجرور عن طريق قناة تستقي ماءها من نبع يقع في بلدة عريقة  التابعة إدارياً لمحافظة السويداء، وفي أيام الشح كان أهل إزرع يقسمون الماء في أيام الأسبوع على أحياء مدينتهم كي يحصل كل حي على ماء الشرب من تلك البئر، فكان لكل حي يوم مخصص له لجلب الماء، وكانوا يكلفون رجلاً لحراسة البئر وتنظيم النوبة بين النساء، ولأهمية تلك البئر في حياة أهل إزرع في الماضي يَرِدُ ذكرها في تراثهم الشعبي.

والبئر الثانية، هي بئر حلحلة: وتقع في شرقي إزرع القديمة وعلى بعد خمسمئة متر منها، وتستمد البئر ماءها من كهف بازلتي طبيعي. ثم بئر «أبو كلبة» الواقعة جنوبي إزرع القديمة، وكان أفراد عشيرة المدالجة المنتمية إلى قبيلة السلوط يضربون حولها، وهي محفورة في الصخر إلا أن ماءها جمعٌ وليس نبعاً.

أما فيما يتصل بالاستعمال المنزلي وسقاية الحيوانات، فقد كان في إزرع القديمة بركتان كبيرتان يزيد عمق كل منهما على 25م، وفي وسط كل واحدة عمود من الحجر البازلتي لمعرفة منسوب المياه المتجمعة في كل منهما على مدار السنة، والبركتان مبنيتان من الحجارة البازلتية المنحوتة، فالبركة الشرقية على سبيل المثال، ما زال الجزء الشرقي من جدارها القديم عامراً إلى اليوم. ويبلغ بعدا البركة الغربية 250-300م تقريباً في حين يزيد بعدا البركة الشرقية على 150-200م، ويصل بين البركتين مصرف مائي، وكان ماؤهما يفيض في الشتاء فيخرج نحو منخفضات طبيعية تدعى «خراب التوت».

يتألف سكان مدينة إزرع اليوم من عشائر حورانية أصلية يعود نسب معظمها إلى الغساسنة، ويدينون بالإسلام والمسيحية ويشتركون في العادات والتقاليد. ويبلغ عدد سكان إزرع الحالية نحو 30200 نسمة (إحصاء عام 1995)، وتتحكم العصبية القبلية في سلوكهم اليومي إذ يتألف السكان من أسر كبيرة متماسكة يتجاوز عددها العشرين. وهناك أسر هاجرت من إزرع إلى أماكن متفرقة من بلاد الشام ولاسيما إلى منطقة حمص ولبنان.

يتصف المخطط العمراني لمدينة إزرع بأنه متطاول الشكل: 4كم، غرباً وشرقاً، 2كم جنوباً وشمالاً. ويتكون مخطط المدينة المذكور من المراكز السكنية المذكورة سابقاً.

ويعود سبب التوسع العمراني لإزرع القديمة نحو الغرب إلى تسميتها مركز قائمقامية زمن الانتداب الفرنسي من جهة، ولكون الخط الحديدي الحجازي يمر إلى الغرب من البلدة القديمة من جهة أخرى، وعلى هذا صارت المنطقة المحيطة بالسكة منطقة إدارية فيها كل الدوائر الحكومية كالمالية ومديرية المنطقة ومديرية الزراعة. وقد رافق ذلك نشاط تجاري أدى إلى نشاط عمراني سكني قام به أهل إزرع نفسها، وسكان القرى التابعة لهاك بصر (بصر) الحرير ومحجة وشقرا ونامر وقرفة. ويعمل معظم سكان إزرع بالزراعة البعلية، وأهم محاصيلها القمح والحمص والشعير والعدس. هناك القليل من المشروعات للزراعة المروية التي تقع إلى الغرب من المدينة على طريق إزرع ـ الشيخ مسكين. كما أن قسماً من السكان اليوم كان يعيش في لبنان كسباً للزرق. وأهل إزرع اليوم لا يهتمون بالثروة الحيوانية إلا الأبقار وخاصة المستورد منها الذي يدعى فريزيان. وربما يعود هذا إلى قرب تلك المدينة من المنطقة الرعوية المتمثلة في الجزء الجنوبي من وعر اللجاة القليل الأعشاب.