الطرق في سورية في العصور العربية الإسلامية

الطرق في سورية في العصور العربية الإسلامية:
بعد الفتح العربي الإسلامي لبلاد الشام بقليل، لم تلبث أن أصبحت عاصمتُها دمشق، قاعدة الدولة العربية الكبرى، التي حررت مساحات واسعة من نير الإمبراطوريتين المتنازعتين: الفارسية، والبيزنطية قلب آسيا وشرقيها إلى غربي آسيا عامة وسورية خاصة، ومنها طريق الحرير، كما كانت الثانية تسيطر على الطرق المتجهة غلى شرقي أوروبا وآسيا الصغرى، وكذلك على الطرق البحرية المتوسطية التي تربط كافة بلدان الحوض. وقد كانت معركة ذات السواري في عهد معاوية، بداية الانحسار للنفوذ البيزنطي عن ذلك البحر. ومن هنا أخذت الطرق، العابرة لسورية في ذلك العصر، مداها الكبير في جميع الاتجاهات، في السلم وفي الحرب على السواء. ووجدت طرق جديدة أو تطورت وظائف الطرق، التي أشرنا غليها فيما سبق، وتواصلت طرق البر والبحر في الدولة العربية الكبرى، من بحر الصين والمحيط الهندي حتى البحر المتوسط والمحيط الأطلنطي.
ولعب انتشار الدين الإسلامي دوراً كبيراً في ذلك التواصل، ورافقه تطور متطلبات الحياة الاقتصادية والاجتماعية في العالم آنذاك، والازدهار الكبير للزراعة والصناعة في سورية، وما كانت تنتجه من حبوب وفاكهة ومنسوجات وأسلحة خفيفة وزجاج وورق وزيوت... إلخ. وكان من الطرق الجديدة التي نشطت في سورية: طريق الحج، وطرق طلاب العلم إلى العواصم العربية، وطريق البخور عبر الحجاز، وطريق الذهب عبر الصحارى العربية.. إلخ. وأُقيمت على جميع تلك الطرق وفي مواقع محددة، ذات أهمية طبيعية وبشرية من بلاد الشام، مراكز ذات نشاطات مختلفة، عند الممرات الجبلية أو الشعاب والأبواب، والمخاضات النهرية والآبار وموارد المياه، ومفارق الطرق، خانات ومزارات ورباطات، ومواقع لأسواق تجارية.. إلخ. هذا إضافة إلى الطرق العسكرية، التي كانت تتبعها الجيوش في تحركاتها السريعة على التخوم بين الإمبراطوريات، حول سورية وعبرها، سواء كانت معبدة أو غير معبدة. وما زال الطريق الذي اتبعه خالد بن الوليد في انتقال جيشه من العراق إلى دمشق عبر بادية الشام لغزاً عسكرياً محيراً. هذا ولم يقلل من أهمية موقع سورية ونشاطاتها، انتقال عاصمة الدولة العربية الكبرى من دمشق إلى بغداد والقاهرة، بل إن فتح مدينة القسطنطينية عام 1492 ـ التي أصبحت عاصمة الدولة العثمانية قبيل استيلاء العثمانيين على معظم الأراضي العربية ـ قد زاد من أهمية موقع سورية، في نواحٍ عديدة جغرافية وسياسية واقتصادية، حيث زالت الحدود بينها وبين آسيا الصغرى، تلك التي كانت ميدان صراع بين العرب والبيزنطيين، وفُتحت أمامها طريق البحر الأسود وشرقي أوروبا وأواسطها، وأصبحت سورية الجسر الإلزامي المتوسط: بين قاعدة الدولة العثمانية وأطرافها المترامية في آسيا وإفريقيا، لذا لم تتبدل أهمية الطرق عبر سورية، وغن تأثرت في العصور الحديثة، بازدياد أهمية الطرق البحرية عبر رأس الرجاء الصالح، أو عبر البحر الأحمر وبرزخ السويس، ثم من بعد، قناة السويس في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
غير أن الطرق شهدت من ناحية أخرى، تطوراً في وظائفها، حسب تطور النشاطات البشرية العالمية، ومظاهرها الحضارية، انتهاءً إلى سورية، أو انطلاقاً منها أو مروراً فيها. وإن قسماً كبيراً منها كان يلقي رحاله في مدن سورية الداخلية، أو يجد منطلقاً جديداً له في الموانئ السورية، عبر البحر المتوسط، حيث يقوم على نشاطاتها تجار من كافة موانئه.
ولو ألقينا نظرة حديثة على تلك الطرق، بعد التغييرات الكبيرة التي طرأت على الحدود السياسية من جراء التجزئة الخطيرة لبلاد الشام أو سورية الطبيعية، لوجدناها تتمثل في:
آ ـ سكة حديد الشرق السريع التي مُدت لتربط بين أوروبا والخليج العربي مارة بشمالي سورية والعراق.
ب ـ السكة الحديدية الحجازية، التي تصل دمشق بالمدينة المنورة، وهي تتصل شمالاً بسكة حديد الشرق السريع السابقة عن طريق حلب، وتتصل بمصر وبفلسطين عن طريق حيفا، وكان مقرراً أن تمتد هذه الطريق حتى عدن جنوبي الجزيرة العربية.
ج ـ الطريق البرية للسيارات الشاحنة الكبيرة بين أوروبا وسورية عبر آسيا الصغرى، ومن سورية إلى أقطار شبه الجزيرة العربية والعراق.
د ـ الطرق المتمثلة في أنابيب نقل النفط، من العراق ومنطقة الخليج العربي من شبه الجزيرة العربية، بما في ذلك الأنابيب المتجهة إلى خليج الاسكندرونة من العراق عبر الأراضي السورية، التي اغتصبتها تركيا، وتتجه إيران إل الاستفادة من هذه الطريق الطبيعية أيضاً، في نقل غازها ونفطها إلى خليج الاسكندرونة السوري. كما أن أنابيب النفط، التي مدها العدو الإسرائيلي، تتبع الطريق الطبيعية التي تنفذ من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط على الساحل الجنوبي الفلسطيني من سورية.
هـ ـ مجموعة طرق السيارات التي تصل بين دمشق والمدينة المنورة. هذا بالإضافة إلى الطرق المحورية، كتلك التي تصل دمشق بجزيرة ابن عمر على نهر دجلة، عبر تدمر ودير الزور والحسكة، والطريق الواصلة بين حلب وبغداد، مسايرة لوادي الفرات.
مما تقدم يتبين أن معابر سورية وطرقها الطبيعية، وفي إطار الموقع الجغرافي لا يمكن الإقلال من أهميتها، بسبب ظروف التجزئة السياسية لبلاد الشام، واحتلال الصهاينة، لقسم منها في الجنوب الغربي، الأمر الذي أدى إلى تعطيل خط السكة الحديدية الممتدة من بلاد الشام حتى مصر، والذي يتصل به خط دمشق درعا، عدا طريق السيارات، بين دمشق وحيفا والقاهرة.

مواضيع ذات صلة: