دمشق في العهد الأيوبي

توفي نور الدين في دمشق عام 569هـ/1174م، ليستقرّ الحكم بعده إلى قائده في مصر صلاح الدين الأيوبي، وذلك لصغر سنّ ابنه وخطورة الظروف المحدقة ببلاد الشام ومصر، من وجود الصليبيين وتدفّق قواتهم من أوروبا. وهذا ما دفع بالعقلاء من أبناء دمشق لاستدعاء صلاح الدين من مصر وبايعوه سلطانا على بلاد الشام.
ويأتي السلطان صلاح الدين إلى دمشق ليجعل منها عاصمة ثانية لسلطنته، متنقّلاً بينها وبين القاهرة، لكنه فضّل الاستقرار في دمشق لقُربها من ميادين عملياته العسكرية، وبخاصة لقُربها من فلسطين التي كان يخطط لتحريرها من الغُزاة الصليبيين. وحقّق صلاح الدين ما أراده، وهزم الصليبيين عام 583هـ/1187م هزيمةً ساحقة في حطين وحرّر منهم بيت المقدس، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، التي رزحت تحت الاحتلال الفرنجي منذ وقوعها بأيديهم في عام 492هـ، فأعلنوها عاصمةً لمملكتهم الفرنجيّة، بعد أن قاموا بإعدام سكان المدينة المقدّسة بأسرهم، فبلغ عدد شهدائها في عدد من الرّوايات 70 ألفاً. فكانت هذه الانتصارات ثمرة توحيد بلاد الشام ومصر.


لقد نَذَرَ النّاصر نفسه مُدّة ملكه كلّها بمصر والشام (24 عاماً) لهذه الغاية العظيمة، فبعد حروب مريرة وفتوحات تمكّن أخيراً من سحق جيوشهم بالكامل وأسر ملكهم وباروناتهم في معركة حطّين عام 583هـ.


وتوفي صلاح الدين في دمشق، عام 589هـ/1193م، وبوفاته ضعفت الدّولة الأيوبية رغم محاولات أخيه الملك العادل حماية الدّولة من التجزئة على أيدي أبناء صلاح الدين. واستمر الخلاف بين أبناء الملك العادل بعد وفاته، وتصاب دمشق نتيجة لذلك بالبلاء والدّمار والحصار والحريق.


وينتهي العهد الأيوبي بما يشبه الانقلاب العسكري الذي قام به قادة الجيش في مصر، وهم من المماليك، فقتلوا آخر حكّام الدولة الأيوبية توران شاه عام 648هـ/1250م وذلك في مصر، بينما انتهى حكم الأيوبيين في الشام بوصول حملة التّتار التي قادها هولاكو عام 656هـ/1258م، وسقطت دمشق بأيديهم بعد أن سبقتهم أخبار تدميرهم لبغداد ومذابحهم في حلب. وصمدت قلعة دمشق شهراً لحصار التّتار ثم سقطت كغيرها، ومن حُسن حظ دمشق وبلاد الشام أن هذه الحملة التّتريّة هُزمت هزيمة نكراء في معركة عين جالوت على أيدي حكام مصر الجدد من قادة المماليك، وعلى رأسهم السلطان المظفر قُطُز.


دمشق في عهد المماليك
 

مواضيع ذات صلة: