حصن سليمان

يقع حصن سليمان في جبال محافظة طرطوس ويرتفع 790م عن سطح البحر. حيث يتوضع في منخفض من الأرض تحيط به المرتفعات الجبلية. أنشأه الآراميون عندما استوطنوا هذه المناطق الجبلية الحصينة هرباً من هجمات الآشوريين، وتم تكريسه في البداية لعبادة الإله بيتو خيخي وهو معادل لزيوس رب السماء. ثم جدده السلوقيون والرومان قبل أن تبنى فيه كنيسة عندما تحولت الإمبراطورية الرومانية إلى المسيحية. أما اسمه الحالي فيعود للسكان المحليين الذين أثارت حجارته الضخمة إحساسهم بالإعجاز واعتقادهم أن جن النبي سليمان هم من بنوا هذا المعبد.

الموقع الجغرافي:
يقع حصن سليمان في محافظة طرطوس، ويبعد عن طرطوس 50 كم شرقاً وعن صافيتا 20 كم باتجاه شمال شرق وعن الدريكيش 15 كم، ويرتفع عن سطح البحر 790م. حيث يتوضع في منخفض من الأرض تحيط به المرتفعات الجبلية من كل الجوانب على السفوح الشمالية الغربية من قمة النبي صالح وعلى مسافة 14كم إلى الشمال من بلدة مشتى الحلو.

لمحة تاريخية:
كان يسمى في العصور القديمة بيت أخيخي وفق نصوص الكتابات اليونانية المكتشفة في الحرم الكبير للمعبد حيث كرَّس المعبد لعبادة إله محلي آرامي اسمه منقوش باليونانية على أماكن مختلفة من المعبد " إله بيتو خيخي" أي (زيوس) رب السماء و الصواعق و المطر و الخصب و عشتارته ( Astarte )أي عشتروت. وسمي بالحصن لأن َّ أسواره مبنية ببلوكات حجرية ضخمة كالحصن، أما الاسم الجديد (حصن سليمان) فقد أطلق على الموقع في وقت لاحق من قبل السكان المحليين لأنَّ هذه الكتل ضخمة جداً بحيث عجز كل من مرَّ بالمنطقة، أن يتخيل أنَّ يداً بشرية قد قامت ببنائها فنسبوا بناءها إلى جنّ النبي سليمان والتي قامت بنقل الأحجار الضخمة التي تزن أكثر من 70 طناً.

وطالما أنَّ هذا ليس حصناً فما هو إذاً ؟؟ إنه معبد آرامي قديم تمَّ تجديد بنائه وتوسيعه في الربع الثالث من القرن الثاني الميلادي. لقد بنى الآراميون هذا المعبد بعد أن هربوا من الآشوريين وأتوا إلى هذه المنطقة من جبال الساحل لأن الممالك الآرامية كانت غير قادرة على حماية نفسها ولأنَّ الآشوريين كانوا يرهقونهم بالضرائب. وعندما توسع الآراميون صاروا بحاجة إلى معبد مخصص للإله الرب "بيتو خيخي" أو كما يسميه اليونان "زيوس" ونستدل على ذلك من خلال النقوش والكتابات اليونانية واللاتينية التي وجدت على جدران المعبد. ويعد من أحسن المعابد صيانة بعد معبد (بل) في تدمر و(بعلبك) في (لبنان).
كان هذا المعبد موجوداً زمن السلوقيين، و أقيم على أطلال معبد أقدم منه حينما جدد سلوقس نيكاتور بناءه وكرّسه للإله "بعل - زيوس" وسماه "بيت خيخي زيوس" أو "بيت سيسي زوس".

ازدهر المعبد في عهد الرومان الذين بدؤوا بتجديده في القرن الأول الميلادي. و لكن الإنجاز الحقيقي حدث في القرن الثاني الميلادي خلال حكم الإمبراطور سبتيموس سفيروس، وبقيت العبادة تمارس فيه حتى القرن الرابع الميلادي، في الفترة البيزنطية، أي ما بعد اعتناق المسيحية ديناً رسمياً في عهد الإمبراطور قسطنطين الكبير. وتظهر هناك رسالة من القيصر إلى الحاكم كي يحترم الامتيازات التي منحها حاكم الولاية للسكان. كما منح وقف لمعبد ( زيوس ) من أجل ذبائح المعبد. وأحدثوا سوقاً تجارية كان يتم عقدها مرتين بالشهر بموجب أمر رسمي. كما منح حق اللجوء إلى المعبد والاحتماء فيه، كما في معبد دافني ومعبد جوبيتير في دمشق و أعفي سكان المنطقة من الضرائب.

كما أن الكتابات في الحصن تشير إلى أن الإله الأكبر لبيتوسيسي هو اٍله شاف من الأمراض واٍن مريضاً زار 360 طبيباً دون جدوى وشفي بأعجوبة فيه.

الوصف المعماري:
يمتد بناء الحصن على مساحة واسعة ويأخذ شكل مستطيل باتجاه شمال جنوب، وينتصب هيكل المعبد في أعلى نقطة من منتصف الحرم، وهو ذو ثلاثة أقسام رئيسية:1-الحرم الكبير 2- قاعة العبادة 3-الحرم الصغير. وسور الحصن مبني بحجارة مستطيلة ضخمة يصل طولها إلى عشرة أمتار وارتفاعها إلى 2،6 م وفي كل جانب من جوانب السور الأربعة بوابة يتم العبور من خلالها إلى حرم المعبد.

1-الحرم الكبير :
وهو مستطيل الشكل أبعاده 85×134م بني بحجارة كلسية محلية ضخمة بلغت أبعاد بعضها 3×9×1.2 متراً بعضها شذب بشكل نهائي وبعضها الآخر لم يشذب.
ويتكون الحرم الكبير من 4 بوابات بنيت أيضا بحجارة ضخمة واحدة في كل ضلع، في أعلى كل منها حجر مستطيل مزخرف بأشكال للنسر والثور وهي تشبه الرسومات التي وجدت في معبد باخوس في بعلبك. و يقع الباب الرئيسي في الشمال و يتألف من ثلاثة مداخل و عرضه 15م و كان للمدخل رواق خارجي وآخر داخلي يستند كل منها على ثمانية أعمدة و الرواق الخارجي كان فيه محرابان ومدخلان جانبيان و قوس جميل على المدخل. أما بابا الشرق والغرب فكانا متماثلين، ولكل واحد منهما محرابان، وفي أعلى الباب لوح حجري مزخرف. أما في الباب الشرقي فيوجد نقش لرأس رجل وكتابة يونانية تؤرخ تكريس السكان لهذا المكان عام 171م و في نهايةالجدار الشمالي يوجد نقش أسدين وكتابة أضيفت فيما بعد عام 255م خلال حكم الإمبراطورين فاليريان و جالينوس .

بشكل عام يتألف الحرم من العناصر التالية: الجدران – المعبد - الرواق المعمّد للبوابة الشمالية - المذبح الكبير - بقايا غرفة أمام الرواق المعمد للبوابة الشمالية. ترمز الرسوم النافرة للنسر.
من خلال المقارنة التي قام بها د. كلاوس ستيفان فرايبرغر بين حصن سليمان ومعبد جرش في الأردن ومعبد باخوس في بعلبك واللذان تم بناؤهما خلال القرن الثاني الميلادي، وبالاعتماد على الكتابات المنقوشة على بعض بوابات الحرم الكبير، فقد توقع التواريخ التالية لبعض المنشآت:
المذبح الكبير 132م، البوابة الشرقية 170م، البوابة الجنوبية 204م، ولكن تاريخ إنشاء المعبد غير محدد بدقة, بالرغم من أن شكل حجارة وبوابات وجدران الحرم الكبير تشير إلى تقنيات ونماذج بناء كانت مستخدمة في نهاية القرن الأول قبل الميلاد.

2- قاعة العبادة:
تعود إلى القرن الثالث الميلادي. وهي على شكل مستطيل أبعاده 14×50م بني بحجارة كلسية محلية منحوتة يشكل دقيق، و حجمها أصغر بكثير من الحجوم المستخدمة في جدران الحرم الكبير وتصل أكبرها حجما إلى 0.9×0.9×3م.
يشبه تصميم المعبد تصميم العديد من المعابد الموجودة في سورية ولبنان، فضلاً عن أن النموذج الأيوني لتيجان الأعمدة مشابه لنماذج تيجان الأعمدة في معبد جرش في الأردن.

اكتشفت البعثة الألمانية التي عملت في معبد بعلبك في بدايات القرن الماضي وخلال زيارتها و عملها في موقع حصن سليمان أجزاء من الجدار الأقدم أمام الجدار الجنوبي الحالي للمعبد من الداخل, وهذا يشير إلى عملية إعادة بناء تمت مع توسيع المنشأة الدينية والمحافظة على النواة المقدسة لقدس الأقداس وهي العادة الشائعة في ذلك الوقت ومثال على ذلك معبد بل في تدمر.

3-الحرم الصغير:
يقع إلى الشمال الغربي من الحرم الكبير ويبعد عنه 57م ويملك شكلا مربعاً أبعاده 60×60م ويضم المباني التالية:
- معبد صغير شكله مستطيل ويقع في الزاوية الجنوبية الشرقية منه.
- معبد ذو مذبح دائري يتوسط الواجهة الشمالية واتجاهه إلى الشمال.
- مبنى مستطيل ذو جزء دائري يتوسط الواجهة الغربية واتجاهه إلى الغرب وهو مجهول الوظيفة حتى الآن.
- الكنيسة والتي تتوسط الواجهة الشرقية وهي لا تعود إلى فترة البناء الأصلية للحرمين.
أما تقنيات البناء المستخدمة في جدران الحرم الصغير وبواباته فهي مشابهة لمثيلاتها في الحرم الكبير وهذا يشير إلى فترة بناء واحدة خلال القرن الثاني الميلادي، وتصميم أصلي واحد وبالتالي التكامل الوظيفي بين الحرمين، وبقي الحرم الصغير على حاله حتى الفترة المسيحية الأولى حيث بنيت الكنيسة ضمنه.
أما اختيار الموقع للمركز الديني فقد حدده شيئان مهمان هما: النبع والصخرة المقدسة تحت المعبد وهو ليس موقعا منعزلا كما نعتقد الآن وإنما كان يقع على الطريق الرئيسية الواصلة بين المنطقة الساحلية والمنطقة الداخلية.

المراجع
. أرشيف المديرية العامة للآثار والمتاحف.
Deutsches Archäologisches Institut Damaskus, Prof. K. S. Freyberger, Tartus und sein Hinterland, Das Heiligtum in hössn soleiman , Syria, 2001, pp. 28 – 42