تل بقرص

يقع تل بقرص Bouqras الأثري، الذي يعود تاريخه إلى العصر الحجري الحديث، على الضفة اليمنى لنهر الفرات مقابل مصب نهر الخابور وعلى بعد حوالي 40 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من دير الزور؛ وتبلغ أبعاد التل 600×200×10 متر.


بدأ التنقيب في الموقع لأول مرة عام 1965 من قبل فان لير Van Liere الهولندي وهنري دو كونتنسون H.De Contenson الفرنسي، ثم أعاد التنقيب في الموقع ووتربولك H.I.Waterbolk من جامعة أمستردام الهولندية بين عامي 1976 و 1978. وقد أدت هذه التنقيبات إلى الكشف عن مستوطنة ذات مستويات بناء متتالية، تم السكن فيها على امتداد الألف السابع ومطلع الألف السادس قبل الميلاد، وكانت أهم المكتشفات في هذا التل الأبنية ذات الأشكال المتطورة في مختلف السويات، والمنتشرة بشكل كثيف ضمن مخططات منتظمة.
ففي أقدم السويات كانت البيوت ذات أشكال منتظمة ومتناسقة، وجميعها مبنية من اللبن، جدرانها وأرضياتها من الملاط الأبيض. وقد راوحت مساحة البيت الواحد بين 50 إلى 100 متر مربع، وهو مؤلف من عدة غرف غير متساوية المساحة وفيها مواقد وباحات.


وفي السوية الأحدث أصبحت هذه البيوت أكثر تطوراً، فقد بنيت في مجموعات، كل منها مؤلفة من ثلاث غرف متجاورة (المخطط الثلاثي) يعترضها غرف أصغر منها. ويدل عدم وجود الأبواب على أن المرور بين الغرف كان من طاقات صغيرة أو من فتحات في السطوح. وقد وجدت على جدران بعض البيوت زخارف فنية أهمها وجه إنساني (قناع) من الطين المطلي باللون الأحمر وعيونه من السبج (حجر زجاجي أسود)؛ وعلى جدار منزل آخر وجد رسم لطيور النعام باللون الأحمر على خلفية بيضاء.


أما الأدوات الحجرية الموجودة في الموقع فتعود إلى ما يسمى بالعصر الحجري الحديث، معظمها من الصوان وقليل منها من السبج. وتتضمن رؤوس نبال ومكاشط وأزاميل والقليل من المناجل، وهناك فؤوس ومقدّات ومقصات من الأحجار النادرة المصقولة.


ومن المكتشفات المهمة أيضاً، الأواني البيضاء المصنوعة من الصخور الكلسية، والأواني الفخارية العادية والمزخرفة أحياناً بالرسم والحز والطبع، والأواني المصنوعة من الأحجار النادرة والجميلة جداً، بعضها على قوائم، وكذلك الأواني ذوات الأشكال الحيوانية إضافة إلى المواد العظمية المتنوعة، ومجموعة نادرة ورائعة من الدمى الحيوانية والإنسانية من الحجر والعظام والطين. كما وجدت كميات كبيرة من أدوات الزينة وخاصة الخرز والقلادات من الأحجار النادرة، وأدوات الجرش والطحن، وظهرت أواني فخارية في السويات العليا.
لقد دلت التحاليل المخبرية والعلمية على زراعة القمح والشعير والشوفان والعدس والحمص، وعلى ممارسة الصيد البري والنهري والتقاط القواقع. كما اعتمد اقتصاد المستوطنة على تربية الحيوانات، وخاصة الغنم والماعز والبقر والخنزير، إضافة إلى صيد الغزلان والثيران.


تأتي أهمية موقع بقرص كونه يمثل مستوطنة متطورة عمرانياً وفنياً، ربما وصل عدد سكانها إلى ألف نسمة. وتم إنشاؤها في المرحلة الوسطى للعصر الحجري الحديث في منطقة لا تنمو فيها الحبوب البرية، وذلك بعد امتلك الإنسان القدرة على الزراعة وتطورت أساليبها وانتشرت في القرى الزراعية المستقرة والكبيرة في مختلف المناطق في الشرق الأدنى القديم.

مواضيع ذات صلة: